16 - 08 - 2024

عجايب غراب أبيض | وأخيرا مع أب لطفل غزاوي مصاب بالسرطان

عجايب غراب أبيض | وأخيرا مع أب لطفل غزاوي مصاب بالسرطان

بحلول منتصف هذا الشهر، وبعد أيام معدودة من وصول 11 طفلا فلسطينيا مع مرافقيهم للأردن من غزة للعلاج"بمركز ومؤسسة الحسين للسرطان"، توجهت إلى فندق "الفنار" الأنيق بوسط عمان.وقبلها لاحظت اللافتات المرحبة بهم في مختلف أنحاء العاصمة، وتضامنا مع الفلسطينيين كافة ضحايا حرب الإبادة الصهيونية المستمرة منذ 7 أكتوبر الماضي. وكان الذهاب عفو قرار شخصي اتخذته في غضون لحظات بعدما علمت، وبدونتخطيط مسبق أو استئذان من جهة ما. 

لم يعترضني في طريقي إليهم داخل بهو الفندق مستجوب أو متطفل أومحقق أو حاجز. بل وجدت خير عون من رجال الأمن والاستقبال في إرشادي، ودون حتى طلب الإطلاع على هوية. وجلست إلى أب لابن عمره 10 سنوات، بعدما أخطرته بأنني صحفي مصري. وتألمت وخجلت وأنا استمع إلى تفاصيل كيف قطعوا رحلة عذاب طويلة من بيتهم الذي دمرته صواريخ الاحتلال بمدينة غزة إلى الأردن، وذلك عبر رفح المصرية، ومع الانتظار 40 يوما بلياليهم القاسيات تحت سقف خيمة لا تقي من برد أو أمطار داخل مدرسة "للأونروا" بشقيقتها رفح فلسطين؟، ومع غياب الدواء وشح الطعام والماء، ودوام ملاحقة طائرات العدو. 

 وهنا تفاصيل مخزية، وليست محزنة فقط، لن تغادرالذاكرة. وتفيد كلها بتجبر الاحتلال وتحكمه وتسيده على المعبر الفلسطيني المصري، ومتى يفتح؟ ولمن يسمح وتنتقيه قوائمه كي يعبر؟. وكيف يسام الموعودون بالعبور العذاب، ووفق أي شروط تحكميه مجنونة؟. وفي النهاية لم يتمكن سوى شخص واحد أو اثنين لا غير من اصطحاب أقل عدد من الأبناء المصابين بالسرطان لاجتياز المعبر الحدودي.

لم أملك قبل مغادرة هذا الأب، إلا الاعتذار لأنني وزملائي أعضاء الجمعية العمومية للصحفيين المصريين عجزنا حتى عن زيارة المصابين القادمين من غزة في بلدنا؟. وهو ما كان متاحا وببساطة ويسر من قبل، ودون حاجة لموافقات من خارج الأطباء مسؤولي المستشفيات. وخجلت أكثر لأن أحدا من أهل مهنة إشاعة الشفافية ونشر المعلومات والحقائق عندنا لا يمكنه حتى ولو الجهر بهذا؟.

ولم أجرؤ على التقاط صورة بالهاتف المحمول معه، أو وضع تدوينة  في صفحتي "بالفيس بوك". وها أنا هنا اليوم أتجنب ذكر اسمه أو اسم ابنه المريض شفاه الله. ببساطة أصحبت أخشى التسبب بمشكلات وعراقيل لهما في طريق العودة إلى غزة.

وكان الله في عونهم وعوننا.

وعجايب!
-------------------------
بقلم: كارم يحيى

مقالات اخرى للكاتب

عجايب غراب أبيض | صدق أو لا تصدق